​نبذة عن نشأة وأهمية المترولوجيا في حياتنا اليومية


تدخل المترولوجيا ونشاطاتها المختلفة في معظم مظاهر حياتنا اليومية التجارية، الإقتصادية، الصناعية، البيئية والصحية، وذلك من خلال إستخداماتنا لأجهزة وأدوات القياس المختلفة في هذه المجالات وإتخاذ قرارات حاسمة وهامة في حياتنا اليومية إستنادا إلى نتائج القياس التي تظهرها هذه الأجهزة والأدوات.

إستنادا إلى ما ورد يجب توفر وسائل وطرق وأدوات وجهات رسمية وغير رسمية معتمدة ومخولة للتأكد من صحة عمل هذه الأجهزة والأدوات وتحديد ومعرفة وتقليل أخطائها للوصول إلى نتائج دقيقة تمكننا من إتخاذ القرارات الصحيحة في المجالات المختلفة.

لذلك إهتم الإنسان عبر التاريخ بإيجاد وتطوير وسائل وأدوات وأجهزة قياس تساعده على تسهيل وتسيير أمور حياته في المجالات المختلفة.

فقد إهتمت الحضارات القديمة في موضوع القياس لتسهيل وضمان الشفافية في التعاملات التجارية بالإضافة إلى ضرورة تصميم وبناء المباني والمعابد والهياكل الضخمة التي أثبتت دقة العمل على تصميمها وبنائها وأستطاعت الصمود بشكل جيد حتى عصرنا الحاضر.

إستخدم المصريون القدامى ( الفراعنة )أجهزة قياس مختلفة في مجال الأطوال مما مكنهم بناء الأهرامات والمعابد والقبور والهياكل الضخمة التي لا تزال قائمة حتى هذا التاريخ. 

met1.png

كان المصريون القدماء هم أول من وضعوا أسس هندسية كما وكان يطلق عليهم المهندسون الأوائل.
فالمصريون القدماء هم اول من وضع مبادئ الهندسه بنوعيها (الهندسه المستويه(plane geometry) والهندسه الفراغيه ( solid geometry ) واتضح ذلك فيما قبل المملكه القديمه فى الفترة 2700 : 2200 قبل الميلاد، عندما وضعوا تصميمات للمعابد والمقابر وعند توزيع المساحات الزراعية علي المزارعيين كما اتضح ذلك في المملكه الوسطي (2200 : 1700قبل الميلاد) من خلال ما تم تسجيله في برديه احمس وبرديه موسكو والعديد من البرديات الاخري.
وحيث أن علم الهندسة يعتمد بشكل كبير على الابعاد فقد إستخدم المصريون القدماء وحدة قياس الأطوال اطلق عليها الذراع أو الذراع الملكى وهو يساوى 525 ميلليمتر وقد تم تقسيم الذراع إلى سبع وحدات متساوية سميت بالـ إصبع وهو يساوى 75 ميلليمتر وأيضا تم تقسيم الإصبع إلى أربع وحدات متساوية سميت بالـ عقلة وهى تساوى 18.75 ميلليمتر.
ومما سبق يمكننا إستنتاج أنه 1 ذراع = 7 اصابع = 28 عقلة.. وهذه هى كانت وحدات الاطوال التى تستخدم عند قدماء المصريين.
تم العثور على إحدى البرديات سميت بـ بردية الذراع الملكى المعيارى وهو ذراع من الجرانيت يستخدم كمعيار لوحدة الأطوال يتم التحفظ عليه عند كبير المعماريين ويتضح من البردية أن الذراع مقسم إلى 27 عقلة وكل اربع عقل تظهر علامة الاصبع. يقوم كبير المعماريين بعمل نماذج من هذا الذراع بعضها من الجرانيت والبعض من الخشب تسلم هذه النماذج الى عمال البناء على ان يقوم كل عامل بمعايرة الذراع الخاص به مع الذراع المعيارى الموجود عند كبير المعماريين عندما يكتمل القمر من كل شهر وذكرت البردية ايضا انه من يتخلف عن معايرة الذراع الخاص به يكون عقوبته الموت وذلك يوضح اهتمام المصريين القدماء بدقة القياس والتى يمكن التأكد منها عندما نعلم ان الهرم الأكبر له قاعدة مربعة طول ضلعها 23042 سنتيمتر (230 متر تقريبا) واقصى خطأ للقياس بين الاضلاع الاربعة هو 7 سم اى حوالى 0.03%..

وفي العهد الروماني تم استخدام أدوات قياس الحجوم وكانت تسمى أمفورا (Amphora) وهي تعادل (one cubic  foot) وتعادل تقريبا(contains about 26 liters.

met2.png                                                          

أما بالنسبة إلى العرب في الجاهليّة، و المسلمين الأوائل، فقد بدأ استخدام وحدات القياس على أسسٍ حسّية وغير علميّة، أو دقيقة، وكان هناك اختلافٌ شديدٌ بين أهل الجاهليّة على المكاييل و الأوزان، فكان البعض يكيل وكان البعض يزن وكان يباع الشيء نفسه عند البعض على عدده، وعند آخرين على وزنه.

بعد قدوم الإسلام ودخولِ عددٍ كبيرٍ من القبائل الأجنبية في الإسلام، فقد أحدث هذا الاختلاف وعدم الدقّة في الموازين خلافاً كبيراً، حيث أرادت كلّ قبيلة الاحتفاظ بطرق قياسها التقليديّة، فدعا الإسلام إلى إيجاد طرق قياس جديدةٍ ودقيقةٍ تناسب جميع القبائل، والتوقف عن استخدام الطرق العربيّة التقليديّة، مثل: الصاع. وكانت أهميّة الوصول إلى وحدات قياس دقيقة تكمن في تحديد مقدار الكفارات، ونصاب الزكاة، وطول مسافة السفر؛ لأحكام الصلاة.

 ولأهمية القياس في حياتنا اليومية ورد في عدة آيات من القرآن الكريم ما يحث على الإلتزام بدقة القياسات، حيث جاء في سورة : المطففين ، رقم الآية1 - 3

(وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3))

وفي سورة هود (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ)

وفي سورة الإسراء( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)

كما رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مَكَّةَ."  

حاجة الإنسان لاستخدام الموازين ظهرت منذ بداية نشوء الحضارات، وتعدّدت مقاديرها من مدينة إلى أخرى، وعندما بدأ الناس بتبادل البضائع فيما بين الدول أو الدويلات، و ظهور العملات والشراء، كان للأمر صعوبة كبيرة عند اختلاف مقادير القياس، وظلّ الأمر على هذه الحال حتّى المبادرة الفرنسيّة في عهد الملك لويس السادس عشر. في نهاية القرن السابع عشر تمّ تحديد طرق القياس عالميّا، بتحديد طول المتر( المتر المعياريّ) وهو قضيب من البلاتين ، و(الكيلوغرام المعياريّ) وهو أسطوانة من البلاتين، وغيرها من المقاييس الأخرى، تحفظ هذه المقاييس التي تعتبر من الطرق الأوليّة .   

met3.png                               

بهدف توحيد طرق ووسائل وأنظمة القياس بين الدول آنذاك تم الإتفاق على توقيع إتفاقية المتر عام 1875 وانبثق عن هذه الإتفاقية إنشاء المكتب الدولي للأوزان (BIPM) ومقره في فرنسا.

من أهم مسئوليات هذا المكتب هو الإحتفاظ في المعايير الدولية وخاصة الكيلو غرام الدولي المصنع من البلاتين بنسبة 90% وأل إريديوم بنسبة 10%. ويعمل المكتب الدولي على تحضير نسخ عنه وتسليمها للدول المعنية لمقارنة جميع الكتل في تلك الدولة وتحقيق التسلسلية لمعايرها المرجعية.

مع تطور التكنولوجيا والصناعة وبدء عصر العولمة أصبح هناك تحدي كبير بين الدول الصناعية والدول النامية لتوحيد أنظمة ووسائل وأدوات القياس لتسهيل عمليات التبادل التجاري بين الدول، مما أدى هذا التحدي إلى ضرورة وجود جسم وطني في كل دولة ينظم ويشرف على جميع ن​شاطات المترولوجيا وأطلق عليه اسم المعهد الوطني للمترولوجيا (National Metrology Institute; NMI)، وهذا أدى إلى إنشاء منظمات إقليمية ودولية عضويتها ممثلة بهذه المعهد الوطنية تهتم بتوحيد أنظمة المترولوجيا ووسائل وطرق وأدوات القياس بما يتناسب مع التطور التكنولوجي والصناعي


                                                                                                                                                              م. جمال صوالحة

                                                                                                                                                                 مدير مديرية القياس الوطني

                                                                                                                                                          ​     مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية